فصل: التحليل اللفظي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المسألة السَّابِعَةُ: [في أن الْأَرْبَعَةَ الْأَخْمَاسِ مِلْكٌ لِلْغَانِمَيْنِ]:

فَأَمَّا الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ فَهِيَ مِلْكٌ لِلْغَانِمَيْنِ: مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ بَيْنَ الْأَمَةِ، بَيْدَ أَنَّ الْإِمَامَ إنْ رَأَى أَنْ يَمُنَّ عَلَى الْأَسْرَى بِالْإِطْلَاقِ فَعَلَ وَتَبْطُلُ حُقُوقُ الْغَانِمِينَ فِيهِمْ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَوْ كَانَ الْمُطْعَمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا وَكَلَّمَنِي فِي هَؤُلَاءِ الثَّنِيِّ لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يُنَفِّلَ جَمِيعَهُمْ، وَيُبْطِلَ حَقَّ الْغَانِمِينَ بِالْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ؛ وَذَلِكَ بِحُكْمِ مَا يَرَى أَنَّهُ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ وَأَصْلَحُ لَهُمْ.
وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

.المسألة الثَّامِنَةُ: [في المفاضلة بين الفارس والراجل]:

أَطْلَقَ اللَّهُ الْقَوْلَ فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخْمَاسِ لِلْغَانِمَيْنِ تَضْمِينًا، وَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَاضَلَ بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ، وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
الثَّانِي: لِلْفَرَسِ سَهْمَانِ، وَلِلْفَارِسِ سَهْمٌ الثَّالِثُ: يَجْتَهِدُ فِي ذَلِكَ الْإِمَامُ، فَيُنَفِّذُ مَا رَأَى مِنْهُ.
وَقَدْ رُوِيَتْ الرِّوَايَتَانِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثَيْنِ.
وَالصَّحِيحُ أَنْ يُعْطَى الْفَارِسُ سَهْمَيْنِ، وَيُعْطَى لِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَاحِدٌ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ الْعَنَاءِ، وَعِظَمِ الْمَنْفَعَةِ؛ فَجَعَلَ اللَّهُ التَّقْدِيرَ فِي الْغَنِيمَةِ بِقَدْرِ الْعَنَاءِ فِي أَخْذِهَا حِكْمَةً مِنْهُ سُبْحَانَهُ فِيهَا.

.المسألة التاسعة: [هل يسهم لأكثر من فرس واحد]:

وَلَا يُفَاضِلُ بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ بِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ؛ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُسْهِمُ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ؛ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ غَنَاءً، وَأَعْظَمُ مَنْفَعَةً، وَهَذَا فَاسِدٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الرِّوَايَةَ لَمْ تَرِدْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُسْهِمَ لِأَكْثَرَ مِنْ فَرَسٍ وَاحِدٍ.
الثَّانِي: أَنَّ الْمُفَاضَلَةَ فِي أَصْلِ الْغَنَاءِ وَالْمَنْفَعَةِ قَدْ رُوعِيَتْ؛ فَأَمَّا زِيَادَتُهَا فَزِيَادَةُ تَفَاصِيلِهَا، فَلَيْسَ لَهَا أَصْلٌ فِي الشَّرِيعَةِ يُرْجَعُ إلَيْهِ، وَلَا يَنْضَبِطُ ذَلِكَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ، فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْحَالِ، وَإِنَّمَا يَظْهَرُ تَأْثِيرُهَا فِي الْمَآلِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ؛ فَلَا حَظَّ فِي الِاعْتِبَارِ لِذَلِكَ.

.المسألة العاشرة: [هل للأجراء والصناع حق في العنائم؟]:

لَا حَقَّ فِي الْغَنَائِمِ لِلْحَشْوَةِ كَالْأُجَرَاءِ وَالصُّنَّاعِ الَّذِينَ يَصْحَبُونَ الْجُيُوشَ لِلْمَعَاشِ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا قِتَالًا، وَلَا خَرَجُوا مُجَاهِدِينَ.
وَقِيلَ: يُسْهَمُ لَهُمْ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْغَنِيمَةُ لِمَنْ شَهِدَ الْوَاقِعَةَ.
وَهَذَا مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا جَاءَ لِبَيَانِ خُرُوجِ مَنْ لَمْ يَحْضُرْ الْقِتَالَ عَنْ الِاسْتِهَامِ، وَأَنَّهَا لِمَنْ بَاشَرَهُ وَخَرَجَ إلَيْهِ.
وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَحْوَالَ الْمُقَاتِلِينَ وَأَهْلِ الْمَعَاشِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَجَعَلَهُمْ فِرْقَتَيْنِ مُتَمَيِّزَتَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ حَالُهَا وَحُكْمُهَا، فَقَالَ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}.
إلَّا أَنَّ هَؤُلَاءِ إذَا قَاتَلُوا لَمْ يَضُرَّهُمْ كَوْنُهُمْ عَلَى مَعَاشِهِمْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْ وُجِدَ مِنْهُمْ.
وَتَفْصِيلُ الْمَذْهَبِ: أَنَّ مَنْ قَاتَلَ أُسْهِمَ لَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ أَجِيرًا لِلْخِدْمَةِ؛ فَقَالَ ابْنُ الْقَصَّارِ: لَا سَهْمَ لَهُ حِينَئِذٍ، وَإِنْ قَاتَلَ.
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.

.المسألة الحادية عشرة: [هل يسهم للعبد؟]:

الْعَبْدُ لَا سَهْمَ لَهُ: لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ خُوطِبَ بِالْقِتَالِ، لِاسْتِغْرَاقِ بَدَنِهِ بِحُقُوقِ السَّيِّدِ.
فَأَمَّا الصَّبِيُّ فَلَا سَهْمَ لَهُ: أَيْضًا إلَّا أَنْ يَكُونَ مُرَاهِقًا لِلْبُلُوغِ مُطِيقًا لِلْقِتَالِ فَيُسْهَمُ لَهُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُسْهَمُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ التَّكْلِيفِ، فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ، فَلَا يَكُونُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ.
وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: عُرِضْت عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ أُحُدٍ وَأَنَا ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَلَمْ يُجِزْنِي، وَعُرِضْت عَلَيْهِ يَوْمَ الْخَنْدَقِ وَأَنَا ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فَأَجَازَنِي.
فَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ الشَّافِعِيُّ: إنَّمَا ذَلِكَ حَدُّ الْبُلُوغِ.
وَقَالَهُ بَعْضُ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ حَبِيبٍ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَظَرَ فِي ذَلِكَ إلَى إطَاقَتِهِ لِلْقِتَالِ، فَأَمَّا الْبُلُوغُ فَلَا أَثَرَ لَهُ فِيهِ، وَقَدْ أَمَرَ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ أَنْ يُقْتَلَ مِنْهُمْ مِنْ أَنْبَتَ، وَيُخَلَّى مَنْ لَمْ يُنْبِتْ؛ وَهَذِهِ مُرَاعَاةٌ لِإِطَاقَةِ الْقِتَالِ أَيْضًا لَا لِلْبُلُوغِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

.المسألة الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: [في الخطاب في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ}]:

قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} هَذَا خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ لَا مَدْخَلَ فِيهِ لِلْكُفَّارِ وَلَا لِلنِّسَاءِ، وَإِنَّمَا خُوطِبَ بِهِ مَنْ قَاتَلَ الْكُفَّارَ وَهُمْ الْمُسْلِمُونَ، وَخُوطِبَ بِهِ مَنْ يُقَاتِلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ دُونَ مَنْ لَا يُقَاتِلُ.
فَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَلَا سَهْمَ لَهَا فِيهِ، وَإِنْ قَاتَلَتْ إلَّا عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ؛ وَهَذَا ضَعِيفٌ لِمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: «إنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُحْذَيْنَ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يُسْهَمُ لَهُنَّ»؛ فَإِنَّ الْقِتَالَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْهِنَّ، وَالسَّهْمُ لَمْ يُقْضَ بِهِ لَهُنَّ.
وَأَمَّا الْعَبِيدُ وَأَهْلُ الذِّمَّةِ فَإِذَا خَرَجُوا لُصُوصًا، وَأَخَذُوا مَالَ أَهْلِ الْحَرْبِ فَهُوَ لَهُمْ، وَلَا يُخَمَّسُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْخِطَابِ أَحَدٌ مِنْهُمْ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُخَمَّسُ مَا يَنُوبُ الْعَبْدَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُخَمَّسُ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ فِي الْقِتَالِ، وَيُقَاتِلَ عَنْ الدِّينِ بِخِلَافِ الْكَافِرِ.
فَأَمَّا إذَا كَانُوا فِي جُمْلَةِ الْجَيْشِ فَفِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنْ لَا يُسْهَمَ لِعَبْدٍ وَلَا لِلْكَافِرِ يَكُونُ فِي الْجَيْشِ؛ قَالَهُ مَالِكٌ، وَابْنُ الْقَاسِمِ.
زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَهُوَ الْقَوْلُ الثَّانِي: وَلَا نَصِيبَ لَهُمْ.
الثَّالِثُ: قَالَ سَحْنُونٌ: إنْ قَدَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنِيمَةِ دُونَهُمْ لَمْ يُسْهَمْ لَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى الْغَنِيمَةِ إلَّا بِأَهْلِ الذِّمَّةِ أُسْهِمَ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ الْعَبِيدُ مَعَ الْأَحْرَارِ.
الرَّابِعُ: قَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ: إذَا خَرَجَ الْعَبْدُ وَالذِّمِّيُّ مِنْ الْجَيْشِ وَغَنِمَ فَالْغَنِيمَةُ لِلْجَيْشِ دُونَهُمْ.

.المسألة الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: [في المغيب عن القتال]:

إذَا ثَبَتَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ لِمَنْ حَضَرَ، فَأَمَّا مَنْ غَابَ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
وَالْمَغِيبُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا بِمَرَضٍ، أَوْ بِضَلَالٍ، أَوْ بِأَسْرٍ.
فَأَمَّا الْمَرِيضُ فَلَا شَيْءَ لَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ رَأْيٌ، وَقَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ عُلَمَائِنَا: إنْ مَرِضَ بَعْدَ الْقِتَالِ أُسْهِمَ لَهُ، وَإِنْ مَرِضَ بَعْدَ الْإِرَادَةِ وَقَبْلَ الْقِتَالِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ ذَلِكَ لَهُ.
وَاخْتُلِفَ فِي الضَّالِّ عَلَى قَوْلَيْنِ؛ وَقَالَ أَشْهَبُ: يُسْهَمُ لِلْأَسِيرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَدِيدِ.
وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا سَهْمَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ يُسْتَحَقُّ بِالْقِتَالِ، فَمَنْ غَابَ خَابَ، وَمَنْ حَضَرَ مَرِيضًا كَمَنْ لَمْ يَحْضُرْ.
وَأَمَّا الْغَائِبُ الْمُطْلَقُ فَلَمْ يُسْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطُّ لِغَائِبٍ إلَّا يَوْمَ خَيْبَرَ؛ قَسَمَ لِأَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ مَنْ حَضَرَ مِنْهُمْ وَمَنْ غَابَ، لِقوله تعالى: {وَعَدَكُمْ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا}، وَقَسَمَ يَوْمَ بَدْرٍ لِعُثْمَانَ لِبَقَائِهِ عَلَى ابْنَتِهِ، وَقَسَمَ لِسَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَطَلْحَةَ وَكَانَا غَائِبَيْنِ.
فَأَمَّا أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ فَكَانَ مِيعَادًا مِنْ اللَّهِ اخْتَصَّ بِأُولَئِكَ النَّفَرِ، فَلَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ.
وَأَمَّا عُثْمَانُ وَسَعِيدٌ وَطَلْحَةُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَسْهَمَ لَهُمْ مِنْ الْخُمُسِ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّهُ مَنْ بَقِيَ لِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ، بَيْدَ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْمَوَّازِ قَالَ: إذَا أَرْسَلَ الْإِمَامُ أَحَدًا فِي مَصْلَحَةِ الْجَيْشِ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ مَنْ غَنِمَ بِسَهْمِهِ؛ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ.
وَقِيلَ عَنْهُ أَيْضًا: لَا شَيْءَ لَهُ، وَهَذَا أَحْسَنُ؛ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَرْضَخُ لَهُ، وَلَا يُعْطَى مِنْ الْغَنِيمَةِ لِعَدَمِ السَّبَبِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ بِهِ عِنْدَهُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
هَذَا لَبَابُ مَا فِي الْكِتَابِ الْكَبِيرِ، فَمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَلْيَنْظُرْهُ هُنَالِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ.

.قال الصابوني:

{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى}
كيفية قسمة الغنائم:

.التحليل اللفظي:

{غَنِمْتُمْ}: الغنيمة.. ما أخذ من الكفار قهرًا بطريق القتال والغلبة، أما ما أخذ منهم بغير حرب أو قتال فهو فيء كما مر سابقًا. قال الشاعر:
وقد طوّفت في الآفاق حتى ** رضيت من الغنيمة بالإياب

{خُمُسَهُ}: بضم الميم وإسكانها لغتان وقد قرئ بهما، والخمس أن يقسم الشيء إلى خمسة أجزاء ثم يؤخذ جزء واحد منه، والواجب الشرعي أن تخمسّ الغنائم فيصرف الخمس فيما ذكره الله، ويوزع الباقي وهو أربعة أخماس بين الغانمين.
قال القرطبي: لما بين الله تعالى حكم الخمس وسكت عن الباقي دل ذلك على أنه ملك للغانمين.
{وَلِذِي القربى}: هم قرابة الرسول صلى الله عليه وسلم وهم: «بنو هاشم، وبنو المطلب» على الصحيح من الأقوال كما سيأتي إن شاء الله.
{واليتامى}: هم أولاد المسلمين الذين هلك آباؤهم في سن الصغر قبل البلوغ، لأنه لا يتم بعد البلوغ.
{والمساكين}: هم أهل الفاقة والحاجة من المسلمين.
{وابن السبيل}: هو المنقطع في سفره مع شدة حاجته وإنما قيل ابن السبيل لأنه لما انقطع في سفره أصبح الطريق كأنه أبٌ له.
{يَوْمَ الفرقان}: هو يوم بدر لأن الله سبحانه وتعالى فرق فيه بين الحق والباطل وبين الإيمان والكفر وهذه الغزوة كانت في السنة الثانية من الهجرة وفي السابع عشر من رمضان وهي أول معركة وقعت بين المسلمين والمشركين.
{الجمعان}: المرد به جمع المؤمنين وجمع المشركين.

.المعنى الإجمالي:

يقول الله جل ثناؤه ما معناه: اعلموا أيها المؤمنون أن كل ما غنمتموه من الكفار المحاربين أيًا كان قليلًا أو كثيرًا حق ثابت لكم. وحكمه: أن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل فاقسموه- خمسة أقسام- واجعلوا خمسة لله، ينفق في مصالح الدين، وإقامة الشعائر، وعمارة الكعبة وكسوتها، ثم اعطوا الرسول صلى الله عليه وسلم منه كفايته لنفسه ولنسائه، ثم أعطوا منه ذي القربى من أهله وعشيرته، ثم المحتاجين من سائر المسلمين وهم اليتامى والمساكين وابن السبيل ثم بين سبحانه وتعالى أن هذا هو مقتضى الإيمان وهو الإذعان. والخضوع لأوامره وأحكامه وعدم الخلاف والنزاع فيما بينهم لأن الله عز وجل هو الذي قسم فأعطى كلَّ ذي حق حقه كما راعى مصالح العباد جميعًا فما على المؤمنين إلا الرضى والتسليم لحكم الله العلي الكبير.

.وجه الارتباط بالآيات السابقة:

لما أمر سبحانه وتعالى في الآيات السابقة بقتال الكفرة المعتدين، الذين كانوا يفتنون المؤمنون، ويقفون في وجه الدعوة الإسلامية، ووعد المؤمنين بالنصر عليهم، وكان ذلك مستلزمًا لكسب الغنائم منهم، بيّن جل وعلا هنا حكم قسمة هذه الغنائم، وأوضح وجوه المصارف فيها حتى لا يكون ثمة نزاع ولا خلاف بين الغانمين، فهذا هو وجه الارتباط.

.لطائف التفسير:

اللطيفة الأولى: التنكير في قوله تعالى: {مِّن شَيْءٍ} يفيد التقليل أي أي شيء كان، سواء كان هذا الشيء قليلًا أو كثيرًا، عظيمًا أو حقيرًا، حتى الخيط والمخيط (الإبرة).
اللطيفة الثانية: ذكرُ الله تعالى في القسمة في قوله تعالى: {فَأَنَّ للَّهِ خُمُسَهُ} لتعليمنا التبرك بذكر اسم الله المعظم، واستفتاح الأمور باسمه تعالى، ولا يقصد منه أن الخمس يقسم على ستة منها (الله) فإنّ الله الدنيا والآخرة، والله هو الغني الحميد، أو يراد منه إنفاقه في سبيل الله فيكون الكلام على (حذف مضاف).
اللطيفة الثالثة: قوله تعالى: {وَمَا أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا} المراد به محمد صلى الله عليه وسلم وإنما لم يذكره باسمه تعظيمًا له وتكريمًا، لأن أعظم وأشرف أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم وصفه بالعبودية، وهذا هو السر في ذكره في سورة الإسراء بهذا الوصف الجليل {سُبْحَانَ الذي أسرى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: 1] وإضافة العبد إليه تعالى تشعر بكمال العناية والتكريم كما قال أحد العارفين:
وممّا زادني شرفًا وتيهًا ** وكدتُ بأخمصي أطَأ الثُريّا

دخولي تحت قولك يا عبادي ** وإنْ صيّرْتَ أحمد لي نبيًا

.فائدة هامة:

قال المراغي: في تفسيره وإنما خص الرسول صلى الله عليه وسلم من ذي القربى بني هاشم، وبني المطلب دون بني عبد شمس، ونوفل لأن قريشًا لما كتبت وأخرجت بني هاشم من مكة وحصرتهم في الشعب، لأنهم ناصروا الرسول صلى الله عليه وسلم دخل معهم فيه بنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس ولا بنو نوفل لذلك خصهم عليه الصلاة والسلام بالقسمة تكريمًا لهم وتقديرًا.